محمد محمود ولد سيدي يحي
العيد في بلاد شنقيط مناسبة تفرح فيها النساء والأطفال والأصهار مقابل غموم وديون وشجون يغرق فيها معظم الرجال من الطبقات الوسطى والفقيرة.
ذلك أن واجبات العيد وسننه آكد من فرائض الشرع عند كثير من العامة، لأن الله غفور رحيم أما مجتمع الناطقين بالحسانية في هذه البلاد فإنه لا يرحم الضعف في هذه المناسبات.
والمرأة الموريتانية تقبل الاقتصاد في الغذاء والدواء ولكنها لا تتنازل عن حقها في "التعياد"، وهي تكون مسرورة عندما يتحمل الزوج وعثاء السفر من أقصى البلاد إلى أقصاها لقضاء يوم العيد معها والقيام بواجب إكرامها وإكرام ذويها.
ويسارع الرجل الموريتاني عادة إلى القيام بتلك الواجبات طواعية كلما وجد إلى ذلك سبيلا، و يتسابق كثيرون في التظاهر بإكرام الزوجة والأصهار مباهاة و ومفاخرة أمام أعين الناس.
والمرأة المحبوبة هي من لا يمر عيد دون أن تختضب بالحناء عند أفخر صالونات الحناء، وتشتري ثياب العيد لها ولأطفالها من الأقمشة الأوروبية، ويقدم زوجها هدايا عينية ونقدية محترمة إلى "حماته".
و تقضي تقاليدنا الراسخة أن تحل أخوات الرجل وخالاته محل الأصهار لأن زوجته ملزمة بتقديم قرابين من الثياب والهدايا إليهن كل عيد، تكفيرا عن استئثارها بدخله دونهن.
وتلزم بعض الأوساط الخاطبين من الشباب بما توجبه على المتزوجين من أمر "التعياد"، ولهذا فإن المعسرين منهم يلتزمون الحذر في فترات الأعياد ويتجنبون الارتباطات العاطفية خوفا من الإحراج.
ويتملص بعض هؤلاء من تكاليف العيد بدمجها في تكاليف الأعراس عندما يستغلون أجواء الأعياد الاحتفالية لإقامة أعراسهم ضاربين بذلك عصفورين بحجر واحد.
ويتناقل الناس عندنا قصصا للتندر حول أولئك الذين يتمارضون قبيل العيد تجنبا لمواجهة نفقات لا يقدرون عليها، ولكن الحقيقة الملموسة هي أن معظم الرجال يجتهدون حتى لا يتعرضوا للتشكيك بشهامتهم "ورجوليتهم" حسب التعبير الدارج، لأن الإنفاق التفاخري مقدم على كل شيء وكما يقول المثل السائر" المنية ولا الدنية".
ومن الحيل التي يلجأ إليها بعض ساكنة المدن الكبيرة في نواكشوط ونواذيبو محاولة التهرب بناء على اختلاف الجهات في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، فيدعون أنهم سيحتفلون بذكرى "التسمية" يوم الثامن عشر من ربيع الأول مع أهل الأرياف والبوادي، وبانتظار ذلك يفوتون الفرصة على "الطامعين والمتربصين" الذين يحتفلون مع أهل المدن بذكرى المولد يوم الثاني عشر.
ويتدثر بعض ذوي الثقافة الدينية بالخلافات الفقهية حول الاحتفال بهذه الذكرى، و يتخففون من تكاليف " التعياد" بدعوى أن هذه بدعة محدثة بعد قرون السلف الصالح، ولكن هذه الدعوى الواهية تفقد مفعوليتها في الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى.
وتتعاطف الحكومة في بلادنا مع مآزق العيد فتسارع غالبا في تعجيل الرواتب بهذه المناسبات، وكثيرا ما يساهم هذا الحل الترقيعي في اختلال موازنات البيت الموريتاني لدى صغار الموظفين مما يزيد مديونيتهم الفلكية التي تشهد عليها عمليات السلف الربوية التي يقعون تحت رحمتها في المصارف العاملة.
لا شك إذن في أن رهاب العيد حالة عامة تراود فئات عريضة من أرباب الأسر الموريتانية، وهي حالة نفسية تصيب ذوي الدخل المحدود كلما اقترب واحد من الأعياد الدينية الثلاث، ولعل مما يزيد المشاكل على " المعيدين" تقارب هذه الأعياد في النصف الأول من السنة القمرية حيث تتتابع كل شهرين دون أن تترك متنفسا لإعادة هيكلة المديونية و استعادة الموازنة الأسرية عافيتها.
ويعتبر أسوأ ما في هذه الظاهرة التي تكاد تختص بالأسرة الموريتانية الناطقة بالحسانية هو قضاؤها على المعاني الدينية السامية والروح الاحتفالية لأعيادنا الدينية.
ولا يخفى على أحد أن المسئولية عن هذه المنغصات التي لا يخلو منها بيت موريتاني لا تعود إلى المرأة دون الرجل رغم أن النساء عادة ما يكون حرصهن على الالتزام بتلك النفقات متزمتا، لأن التقاليد وحدها هي التي تجعل الجميع أمام واجبات لا يمكن التنصل منها.
ويعود قسط وافر من منغصات العيد إلى سيئات العولمة المتوحشة التي دفعت الأسعار إلى موجة غلاء تضرب كبرياء الفقراء في كل مكان.
وحتى لا تتحول أعيادنا الدينية إلى مناسبات للهموم والغموم، وخروجا من هذا الإحراج الذي يدفع إليه زواج تقاليد بائدة مع عولمة ظالمة، نقترح على العقلاء في هذا المجتمع أن يصدروا" دستورا اجتماعيا" يحول هذه الواجبات الاجتماعية إلى الأعياد الوضعية كعيد الأم وعيد المرأة وعيد الحب.
ويمكن أن تنشئ وزارة الترقية النسوية صندوقا وطنيا للأعياد يتبرع فيه الجميع بما تسمح به مداخيلهم وتتولى الوزارة تنظيم حفل جماعي على غرار الزواج الجماعي تقدم فيه هدايا رمزية بين أفراد الأسر بمناسبة هذه الأعياد.
وبانتظار أن يقوى عود المجتمع على مواجهة التقاليد التي لم تعد مناسبة لظروف الكثيرين سيردد معظم الموريتانيين عند استقبال كل عيد بيت المتنبي المشهور:
عيد بأية حال عدت يا عيد
لأمر مضى أم فيك تجديد