Translate

الأربعاء، 1 يونيو 2011

أكاديمية النجوم الموريتانية

محمد محمود ولد سيدي يحي
خطر لي ونحن على أبواب انفتاح إعلامي في مجال السمعيات البصرية، أن يكون أول تحدّ يواجهنا هو استعادة جمهور الشباب من أبنائنا وبناتنا الذين فتنتهم القنوات الفضائية الفنية عبر العالم.
 وجرني التفكير إلى رفض تلك المحاولات التي جربتها إذاعة الشباب والقناة الثانية للتلفزيون الموريتاني بتقديم نسخ مكررة من الأغاني والفيديو كليبات التي درجت تلك القنوات العربية والعالمية على تقديمها.
فالتقليد كثيرا ما يكون مشوّها ومتأخرا إضافة إلى ما يعنيه من استسلام لنموذج قيمي وأخلاقي غريب على مجتمعنا، وكان الأجدر بالإعلام الوطني أن يحاول إبداع نماذج موريتانية لا تسقط في وحل الفجور والخلاعة التي تسوقها تلك المحطات إلى أجيال غضة لم تتأسس شخصياتها بعد.
ماذا لو فكّرنا في إنشاء قناة فضائية تقدم لشبابنا نموذج النجومية والنجاح على الطريقة الموريتانية؟
ولا بأس هنا أن نخرج من تقليد غربي تلقفه إخواننا من عرب المشرق يحصر النجومية في الفنّ  كالغناء والتمثيل وعرض الأزياء الذي تحفل به قنوات" استار أكاديمي المعروفة".
ويمكن أن تقسم السنة إلى ثلاثة فصول يخصص الأول منها للنجومية الاقتصادية والنجاح في ميدان الشطارة و"التبتيب" ويخصص الثاني للنجومية السياسية ويكون آخرها متناسبا مع موسم الخريف ومخصصا للنجومية في مجال الفن والغناء والكوميديا.
ولا نقصد هنا ببرنامج النجومية الاقتصادية والتجارية النجاح في خلق مؤسسات منتجة أو حتى فن الترويج والإعلان لتقريب السلعة من المستهلكين، وذلك لأن شرط النجاح التجاري في هذه البلاد هو الاحتكار والمضاربات وقوة الجاه وصحبة ذوي السلطان وهذه أمور من المضنون بها على غير أهلها.
ومن هنا كان حريّا ببرنامج النجومية أن يقتصر على الشطارة وفن"التبتيب" وهو بوابة الاغتناء السريع عن طريق السمسرة، كما يشهد لذلك صعود فئات كثيرة من الشبان من خلال تسويق السيارات وما يسمى بال"بورصات"، ومضاربات القطع الأرضية، وبيع العملات في السوق السوداء، وحتى تيسير تأشيرات الدول الغربية وتزوير الوثائق الوطنية بمختلف أنواعها.
ويفضل للمترشحين لهذه المسابقة أن يكونوا من الفتيان ذوي القامات الفارعة والذين يحرصون على حسن الهندام ولا بد أن يتعرّضوا لامتحانات في التظاهر بما ليس عندهم، وإيهام أهل الطبقات الميسورة من المجتمع بالانتساب إليهم.
 ويتأهل للنجومية من ينجح في إقامة علاقات سريعة مع الموظفين العموميين بالقطاعات التي تعنيه من عمال البنوك والجمارك والولاة والحكام، ولا يحصل على الدرجة الكبرى والعلامة المميزة إلا من أوتي ملكوت الكذب والخيال الواسع وإشاعة الرشوة وجر الصالحين من العمال والمستخدمين العموميين إليها.
أما مسابقة النجومية السياسية على الطريقة الموريتانية فإنها خفيفة المئونة من حيث الهندام والشكل، فالأصل أن النجاح السياسي في هذه البلاد ممالا علاقة له بالبسطة في الجسم والعلم، وليس على من يتأهل للنجومية أن يكون خطيبا مفوها، لأن الطلاقة  والفصاحة من مهمة الأتباع والحاشية، والنجومية والقبول لا تتبع المهارات الفردية والبراعة السياسية، ولكنها تابعة لوهم النجاح نظرا لاعتقاد العامة في المقولة الشهيرة "لا تعاد منصورا".
وقد درج الناس عندنا على أن بيعة أهل الحل والعقد وأصحاب الشوكة كافية ليعلم العامة أن الشخص المتقدم في مضمار السياسة مظنّة النجاح، ولهذا فلا حاجة له بتحسين سيرته الذاتية، ولا  تنفعه سابقة البلاء والنضال في قضايا العامة، ولا يحسم الأمر كونه من عائلة معروفة بالفضل والبركة أو بالهيبة والمروءات، ولا تصدق عليه النظرية الخلدونية في قوة العصبية لأن مجرد مباركة الأقوياء تجلب له الأنصار والقبائل والشعراء والخطباء.
ولهذا فإن عموم تمارين النجومية في هذا المجال مقصور على التقرب من ذوي السلطان والشوكة، وإرضاء جميع الجهات الأمنية الوطنية والأجنبية، وكسب ثقة الشركاء والممولين الدوليين والشركات متعددة الجنسية، ولا ضير في استخدام القرعة بهذه المسابقة لأن ارتباطها بالحظ والصدفة شديد.
وتختلف أكاديمية النجوم في ميدان الغناء والطرب في بلادنا عما جرت عليه أعراف أهل الأرض، فالجمهور الذي يقبل ترشحه سيكون محصورا في دائرة أبناء العائلات الموسيقية التي ورثت فنها كابرا عن كابر.
ولا يشترط في المتأهل للنجومية كتابة الألحان باللغة الموسيقية العالمية، ويمكنه أن يختار كلمات أغنيته من ألفية ابن مالك أو أي نظم أو بيت شعر يقع عليه.
 ولا طائل من وراء محاكاة أكاديميات الآخرين بهذا الشأن في جمع المترشحين بمبنى واحد، وامتحان شخصياتهم وقدرتهم على الألفة الاجتماعية، لأن الأصل أن النجومية الفنية تقتضي التحاسد عندنا.
ويمكن أن تكون لجنة التحكيم من غير الوسط الفني لأن أحدا من القوم لن يقبل أن يصدر حكما قادحا في صوت فنان من عائلة معروفة مادام الحكم منسحبا على تراثها الفني العريق.
وسيقتصر مضمار التسابق على جمال الصوت وقدرة الفنان على الإتيان بال"ردّات" كما ينبغي مع بعض من "حوص الأشوار الزمنية".
 وبمقدور فنانينا أن يتمتعوا بفرص متساوية بغض النظر عن القامة والرشاقة وغيرها من الشروط التي عهدناها في أكاديميات النجوم العربية والعالمية لأنه من باب لزوم مالا يلزم في ثقافتنا المحلية.
وقد تفلح بعض قنواتنا في استصدار فتوى من فتاوي الضرورات بجواز  استعانة المرشحين للنجومية الفنية بحاشية من المخنثين تطبّل لهم  وتكيل الشتائم والسباب لأعدائهم وحاسديهم.
ولو نجح القيّمون على هذه القنوات في ترجمتها الفورية إلى اللغات العالمية كالإنجليزية والإسبانية والصينية فإنها ستصبح محط اهتمام جمهور عالمي نظرا لغرابتها كما تجلب قنوات السيرك المشاهدين.
 وعندها ستكون قنوات النجومية الموريتانية مصدرا للإعلان والعملة الصعبة وجلب السياح إلى بلاد العجائب والله أعلم.
  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق