Translate

الاثنين، 6 يونيو 2011

قيامة "الهول" البيظاني

محمد محمود ولد سيدي يحي
www.el-bahith.blogspot.com
يرفض عام 2011 أن يمرّ دون أن يحمل كل علامات القيامة الصغرى، فعلاوة على زلزال اليابان والزلزال السياسي العربي، والانهيارات الاقتصادية المتتالية في العالم المتقدم، كان حظ أمة البيظان هو أن تخسر رمزا من رموزها يجتمع حوله كل الناطقين بالحسانية من النيجر إلى موريتانيا ومن "كنار السنغال" إلى اكليميم في المغرب، إنها كوكب الطرب البيظاني المرحومة "ديم بنت آب"
يقول بعض أهل العلم "إن قيامة ابن آدم يوم موته"، ولاشك أن رحيل الفنانة ديم بنت آب عن عالم الغناء " البيظاني" كسوف كبير وقيامة صغرى كما تنبأ بذلك الأديب المرحوم باب ولد هدار عندما قال في مدحها قبل أكثر من عقدين:
مولات الهول إلى انكال
الهول الحك أو قيمي
يالقيام في الهول يال- 
-قيام قيم ديم
جمعت ديم ما لم يجمعه فنان موريتاني؛ جمال الصوت الفريد وقدرة هائلة على اللعب على أوتار القلوب عبر آردينها المعجز، واستطاعت أن تحتل واسطة العقد في سماء الطرب بعد أن حملت معها أحسن ما في مدارس الحوض وتكانت والكبلة.
كنت أقول دائما إن في نغمة ديم نبرة متصوفة لا يفقهها إلا من تصوّف في الهول الموريتاني، وقديما كان المتصوّفة أهل سماع، لأن الموسيقى في روحها أشواق مبهمة نحو الغيب، وقد نشأت على الأرجح في جو الترانيم الدينية في "زبر الأولين".
وكان من عجيب ذوقها المرهف اختيارها مدرسة المرحومة "فاطم بنت عوّه" في آردين، وحرصها على تسجيل أشرطة خاصة مع أكثر من تطرب له ديم "أمّ اختي بنت النانه"، ولقد سجّلت ديم رحمها الله شريطا فريدا لا يعرفه إلا متصوّفة الهول بعنوان "لحمار" أي التقليد، تحاكي فيه المرحومة "فاطم بينت عوّه" وأتت فيه بما لا يفهمه إلا من أوتي مزمارا من مزامير آل داوود.
المرحومة "ديم" كانت "مهلهل" الطرب الموريتاني الأصيل، الذي خرج به من المحلية إلى  المهرجانات الدولية، وحولته من مجرد التغني بأمجاد الأمراء والقبائل إلى "ريشة للفن" تسمو إلى مصاف الموسيقى العالمية، تعانق هموم المضطهدين في جنوب إفريقيا وفلسطين " ياربّ لابّارتيد تطيه اطياح امتين"، وتؤسس روح الوطنية "نختر عن كل أوطان، وطني موريتان".
رحلت ديم في قمة مجدها وعطائها، كأنما اختارت أن تعتزل في الوقت الذي يعتزل فيه كبار النجوم قبل أن تردهم دورة الحياة إلى أرذل العمر الفني، ولكن ميزة الفن هي أنه لا يهرم ولا يموت حتى أن كارل ماركس تعجّب وهو صاحب المادية التاريخية كيف نستمتع إلى اليوم بإبداعات الإغريق والفراعنة، ومن هنا فإن كوكب الفن البيظاني سيظل ساطعا في عليائه، لا يستطيع أن يطويه لحد أو جدث، وستشهد روائع "الحزام الأخضر" و"عيد المولود" و" الدعاية" و"البلاغات" وغيرها على كلمة التوحيد التي كررتها ديم بحنجرتها الذهبية، لتدخل مع الموحدين في جنة عرضها السموات والأرض، وستقف ديم في عرصات الجنة تطرب السامعين كما أطربتهم في الدنيا "حسن ظنّ بالله تعالى"، ولسان حالنا وحالها يقول كما قال عمر الخيام:
إن كنت قد قصّرت في طاعتك
 فإنني أطمع في رحمتك
 وإنما يشفع لي أنني
 قد بتّ لا أشرك في وحدتك
قال تعالى{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}، اللهم اغفر لديم بنت آبّ وارحمها وتب علينا وعليها إنك أنت التواب الرحيم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق