Translate

الخميس، 26 مايو 2011

موسوعة جينيس الموريتانية

 محمد محمود ولد سيدي يحي
لا يذكر المرء من الأرقام القياسية التي تفاخر بها بلادنا إلا ما يؤثر عن قطار الزويرات نواذيبو الذي يدّعون أنه أطول قطار في العالم.
غير أن المتأمل لحياة هذه الأمة الموريتانية الطيبة يستطيع أن يكتشف مجالات عديدة حطمنا فيها الأرقام القياسية العالمية ولكنها لا تتعلق بالضرورة بالاقتصاد أو المنجزات التكنولوجية.
ولقد كان من أول الأرقام التي اشتهرت بها البلاد منذ الستينيات ما عرف ببلاد المليون شاعر، ولا شك أن الرقم الذي لا يخلو من مبالغة يشير إلى دهشة زوار البلاد الأوائل من العرب الذين فاجأهم هذا الحضور القوي للثقافة العربية الكلاسيكية العالمة في ذلك الركن القصي المحصور بين الصحراء والمناطق المدارية.
ولعل من الأرقام التي تجاهلها المهتمون عدد حفاظ القرآن العظيم ونص خليل بن إسحاق المالكي و ألفية ابن مالك، وتتميز موريتانيا من بين معظم البلدان الإسلامية بأن معظم مصلياتها تتوفر على حفاظ يرتلون كتاب الله استظهارا في شهر رمضان وهو ما يعتبر رقما قياسيا مقارنة بعدد السكان.
ولقد دهش الرحالة والمستكشفون الاستعماريون الأوائل من عدد من يقرأون ويكتبون العربية في هذه المنطقة خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، مقارنة مع عموم ما عليه الحال في القارة الإفريقية وشعوبها المختلفة.
بيد أن الأرقام القياسية لا تقتصر على الجوانب الإيجابية؛ فلو أننا توجهنا إلى الحياة العصرية لوجدنا أن الموريتانيين يضربون الرقم القياسي في المكالمات الهاتفية، مقارنة مع أرقى الدول الصناعية، وهو رقم يعكس مستوى التبذير والإنفاق التفاخري الذي لا أظن شعبا يضاهي ساكنة هذه البلاد فيه.
ويبدو الشاي الموريتاني الأخضر بجيماته الثلاث "اجر واجماعة واجمر" أطول أنواع الشاي وأكثرها استهلاكا للوقت، ويمكننا أن نخمن أن معدل ما ينفقه الموريتاني العادي على الشاي سنويا يبلغ نسبة من دخله تفوق مقدار ما ينفقه الفرد في شعوب الصين وآسيا الشرقية التي صدرت إلينا هذه العادة الغذائية حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية.
وسيكون طريفا لو جمعت ألبسة الشعوب وقيس مقدار القماش الضروري لها، وعندها سيحتل لابسو الدراعة الذين لا ينحصرون في شعبنا قمة الهرم لأن ثوبا من عشرة أمتار يبدو الأكثر استهلاكا للقماش.
ولا نبالغ إذا قلنا إن معدل الطلاق في بلادنا أعلى بكثير من مستواه في جميع البلدان العربية والإسلامية، ويخفف من وطأة هذا الفشل العائلي ما يقبله مجتمعنا تقليديا  من الزواج بالمطلقات  الذي يصل أرقاما قد تصبح يوما ما قياسية عندما تتوفر إحصائيات دقيقة وحالة مدنية موثقة.
أما إذا نحن تجاوزنا الجوانب الاجتماعية العامة إلى مؤشرات التنمية التي يقاس بها تقدم  الأمم فإن المدرسة الوطنية الحديثة تراجعت عن محصول المحظرة الذي فاخرنا به في بعض المراحل الماضية؛ وفيما عدا تشاد يصر تقرير التنمية للأمم المتحدة على أن أداء نظامنا التربوي هو الأقل مردودية في العالم.
أما حجم  الرعاية الصحية وفاعليتها فإنها لا تتسم  بنفس السوء رغم أن عدد وفيات الأمهات بسبب الولادة  مازال مرتفعا، ولكن مدينة نواكشوط عاصمتنا الفتية تحتفظ برقم قياسي بين أقل عواصم العالم شوارع معبدة إضافة إلى كونها أفقر المدن المماثلة في مجال خدمات النظافة والصرف الصحي وأماكن الترفيه.
ولو أننا اتجهنا قليلا صوب المؤشرات السياسية العامة فإننا من أندر بلدان العالم الثالث التي لا يتسم انتقال السلطة فيها بالدموية ويعيش معظم رؤسائها السابقين أحياء.
 غير أن الاهتمام بالسياسة في حياتنا اليومية ومقدار ما تشغله من أحاديثنا يفوق أضعافا مضاعفة ما عليه الحال لدى مواطني الأمم المتقدمة، وتفوق نسبة أحزابنا الستين ومنظماتنا غير الحكومية الألف وتعاونياتنا التي تجاوزت عشرة آلاف  ما عليه الحال في كثير من البلدان مقارنة مع عدد سكاننا الذي لم يتجاوز الثلاثة ملايين.
وأخشى أن نكون قد سجلنا رقما قياسيا في عدد السياسيين الناجحين الذين أثروا من المال العام وعلى حسابه،  وربما كانت موازنتنا المالية أكثر الموازنات صرفا على التأثيث والصيانة والورشات والملتقيات  وما يسمى التسيير مقارنة مع ميزانيات الدول المماثلة.
ولا نريد هنا أن نرسم صورة كاريكاتورية قاتمة فموريتانيا أقل بلدان العالم تلوثا بيئيا على الأقل في مجالها البري لأن البيئة البحرية في شواطئنا تعرضت لاستنزاف شديد وتلويث شجعه ضعف الرقابة في بعض المراحل السابقة.
ونحن والحمد لله في مقدمة البلدان من حيث عدد الأولياء والصالحين، وبإمكاننا لو أردنا ذلك توظيف مهارات مشايخنا وحجّابينا  في تحقيق إنجازات رائعة ولكن تيار الإنكار والعلمانية الذي بدأ يغزو أجيالنا الشابة حال بيننا وبين الاستغلال الأمثل لهذه الطاقات المعطّلة!!
ومن نعم الله التي لا تحصى جهل المانحين الدوليين بالشريعة الإسلامية لأنهم لو علموا ما بهذه الصحراء من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم  من الشرفاء لما تجرأوا على توزيع صدقاتهم علينا لأن معظم أبناء شنقيط هم ممن تحرم عليهم الصدقة وتجوز لهم الهدية، ولو بقيت أخلافنا على ما كان عليه السلف البعيد من التشيع لكان في الخمس مندوحة ولكن الحمد لله على عقد الأشعري وفقه مالك واتباع طريقة الجنيد السالك.
وبإمكان موسوعة جينيس أن تنتظر جيلا أو اثنين حتى يصبح التسابق في الأرقام القياسية عادة موريتانية ويتم تطبيق الخطط التنموية لحكوماتنا المنتخبة، يومها سنكون قادرين على تسجيل أرقام أفضل في ميدان السبق التكنولوجي والمؤشرات الاقتصادية والاجتماعية.

هناك تعليق واحد: